"ثمن الكرامة والحرية فادح ..ولكن ثمن السكوت عن الذل والاستعباد أفدح " مثل عربي
منذ بضع سنوات زار تونس الفنان العربي المتميّز مرسال خليفة و أحيا حفلا رائعا في مسرح قرطاج الأثري بالضاحية الشمالية لتونس العاصمة. و كعادة مرسال في السنوات الأخيرة أهدى أغنيته الأخيرة للمساجين العرب في السجون الصهيونية و لمساجين الرأي العرب في السجون العربية. منذ اليوم الموالي للحفل هاجت الصحف الصفراء و ماجت: كيف لمرسال أن يقول هذا؟ في تونس لا يوجد مساجين رأي؟؟ إلخ… و طبعا جادت قريحة بعض المتخلفين ذهنيا من المطبلين و لامو مرسال عن قول ذلك في مسرح قرطاج كونه يبعد بضع المئات من الأمتار عن قصر الرئيس و مثل هذه الكلمات لا يجب أن تذكر قرب فخامته و طبعا – أيضا – صدرت بعض الدعوات لمقاطعة مرسال في مهرجاناتنا – وهو ما وقع في مهرجان صغير بحمام سوسة – ثم وقع تدارك الأمر و تناسو – عن مضض – ما وقع ...
هذه الواقعة رسخّت في ذهني طبيعة الفنان المناضل أو بالأحرى طبيعة من يستحق صفة مناضل سواءا كان فنانا، كاتبا أو عاملا فالمناضل الحقيقي هو المناضل الثوري ، المناوئ للسلطة، وداعيه الحرية والابداع والتغيير، والذى تطارده السلطة والتيارات الرجعية و الذي لا يخشى السلطة العربية و لا بوليسها فسلاحه هو كلمته الحرة. في أيامنا هذه تطلق صفة مناضل على العشرات من الذين قد لا يستحقونها فهي تطلق تارة على القابع خلف حاسوبه ينظر صباحا مساءا للأممية العالمية و طورا على كل من ينادي بالوحدة العربية و طورا آخرا على كل من نقد و لمّح بطريقة غير مباشرة لإسم الزعيم المفدى و كأنه يقول له إنّي أنتقدك و لكن بصورة غير مباشرة فلا تطلق عليّ كلابك.. و لعل ما يجمع هؤلاء كونهم لم ينزلو مرّة واحدة للشارع من أجل ذلك المواطن العربي البسيط الذي شبعوه تنظيرا و شعرا و لعل آخر مرة شاركو في مسيرة يوم كانو في الجامعة و لذلك تراهم اليوم يتحسرون على أيامهم تلك لأنها الأيام الوحيدة التي تصدق فيها صفة مناضلين عليهم.
نحن دعاة وحدة و لكننا أيضا دعاة تحرر و دعاة حرية و على كل من يرى في نفسه مشروع مناضل أن يحارب من أجل المطالب اليومية لأفراد شعبه، مطالبهم اليومية في عمل حر، مطالبهم اليومية في خبز حرّ، مطالبهم اليومية في كلمة حرة، عليه أن يساند كل من تعرض لمظلمة، عليه أن يساند كل من يدعو لكلمة حق و كل من يعمل لمصلحة هذا الشعب. الدكتور عصمت سيف الدولة كتب يوما: " إن الصامتين اليوم عن الإستبداد الإقليمي هم المستبدون غدا في دولة الوحدة"... أين نحن اليوم من المشاغل اليومية لأفراد شعبنا؟ أين نحن من مشاغل العاطلين عن العمل و المهمشين في الأحياء الشعبية و من المتضررين من إستغلال شركات المناولة و غيرهم... أليسو أفرادا من هذا الشعب أيضا و علينا مساندتهم و الجهر بالدفاع عن حقوقهم و مطالبهم؟؟ على كل من يرى في نفسه مشروع مناضل أن ينزل قليلا من أبراجه العاجية و أن يحتكّ قليلا بالمواطن العادي و أن يمارس النضال معه في الشارع و في عمله و في مقهاه... لقد مارست الدولة القطرية كل السبل لكي تقطع الأجيال الجديدة مع ماضيها المشرف فهم لا يحملون سوى السواد عن الماضي و لا يعرفون شيءا عن علمات (جمع علم) الماضي فلا أسماء الدغباجي و لا صالح بن يوسف و لا محمد علي الحامي و لا جول جمال و لا الخطابي و لا حتى بن بلة و عبد الناصر تعني لهم شيئا... أين جيل السبعينات و الثمانينات من كل هذا ؟ أين دورهم في أن يكونو في الصفوف الأولى للحفاظ على موروثهم و للدفاع عنه؟؟
يقبع اليوم العشرات من خيرة الشباب العربي في السجون الصهيونية و السجون العربية – وهي صهيونية أيضا – و نحن نتفرج عليهم و نكتفي بكتابة جملة مساندة على حائط الفايسبوك أو نشر قصيدة أو فيديو لمساندتهم؟؟؟ نحن قادرون على فعل أكثر من ذلك... نحن قادرون على إحداث حراك شعبي لو تمّ التحضير له على أسس علمية... نحن قادرون على هزّ عروش أباطرة العالم فما بالك بحكام مأجورين.. تقولون لي سنعتقل.. أقول ممكن و أكيد.. تقولون لي سنضرب و نعذب.. أقول ممكن و أكيد.. تقولون لي سنهان و نسب.. أقول ممكن و أكيد.. و لكن الأكيد هو أن الشعب سيشعر بوجودنا و التضحيات التي سيقدهما بعضنا ستبني بداية الطريق للآخرين... لا يمكننا أن ندعو للحرية بالكلام فقط و نجلس ننتظر الفرج أو ننتظر أن يأتي المهدي المنتظر ليقودنا أو أن يأتي سوبرمان العربي ليقود وحده المعركة... إن النضال و المقاومة من أجل تحرير فلسطين و العراق تتوازى مع النضال ضد الأنظمة العربية و قمعها و من أجل حرية كل فرد في هذا الوطن.
علينا أن ننزل إلى الشارع يوميا و أن نشارك المواطن العادي همومه و مشاكله لأننا أبناء هذا الوطن و نشاركه نفس الهموم و المشاكل ف"الأولوية هي لحرية الفرد و تحرره و لحرية المجتمع و تحرره من الاستعمار و الاستغلال. لا يمكن ان تنتظر حرية الأخرى و لا يمكن أن يحرر العبيد ارضهم من المحتل بأن يظلوا عبيدا و لا ان يتحرر الانسان من العبودية تحت نير الاحتلال. المعركة ضد القهر و الاستعباد سواء كان داخليا أم خارجيا هي معركة واحدة من اجل التحرر و يجب ان تتم في نفس اللحظة التاريخية لا ان تؤجل الواحدة من أجل الأخرى. " *1*
يقول الفنان مرسال خليفة في إحدى أغانيه: "إني إخترتك يا وطني حبّا و طواعية، إني إخترتك يا وطني سرّا و علانية، فليتنكر لي زمني ما دمت ستذكرني يا وطني الرائع يا وطني"... ما نمارسه اليوم و ما قد نمارسه غدا سيسجله الوطن لا غير في دفاتر تاريخه و لا يجب علينا أن ننتظر شهادة شكر منه أو من شعبنا. كل من يبتغي مستقبلا أفضل لأبنائه و لأجيال الغد عليه أن يبدأ منذ الآن و مسيرة الألف الميل تبتدئ بخطوة.
لا تسقني ماء الحياة بذلة**بل فإسقني بالعز كأس الحنظل
ماء الحياة بذلة كجهنم**وجهنم بالعز أطيب منزل
هناك 5 تعليقات:
كلامك صحيح و معقول، المثقف لازمو يكون عضوي بالمفهوم الغرامشي للكلمة، فدينا مالتنظير و النقاشات الصالونية (أو في الحانات في تونس)، إذا كل واحد يتحمل المسؤولية متاعو توة الوضع يتحسن، شكرا على المقال الرائع
مقال ممتاز !! شكراً
وحدك يا شنفرى كي تحكي على الاهم قبل المهم
ارابستا برجولية شابو على (أو في الحانات في تونس).. خاتر جبتها بالضبط..صدقني اللي نعرفهم الكل جايبينها يفهمولها بوليتيك و يدافعو على الحريات ..نقاهم ياسر في الحانات متاع نهج مرسيليا و شارع قرطاج ..طاقاتنا خوي العزيز "الفم الحارك و ال**" البارك "
@أرابستا
عفوا صديقي لقد كتبت ما أظن أنه الأهم و على الجميع تحمل مسؤولياته في هذه الأيام العصيبة. شكرا لك أيضا على المرور
@ يوسف
شكرا على المرور صديقي
@ مفعوص
عيشك خويا، و كانك على جماعة الحانات كيما سمّاهم أربستا أنا نافض إيدي منهم من هاكالعام ههه
@حميدة
مرحبا بيك بما إنك أول مرة تزورني أمّا ما فهمتش شبيك فسخت تعليقك؟
و حاجة أخرى كيفاش عرفت إلّي أنا ناصري، شكون اللي قالك؟
;)
إرسال تعليق