الثلاثاء، 27 أبريل 2010

إستغلال فرصة

السلام عليكم،

علمت للتوّ أن مقص الرقيب التونسي قد خرج من عقله و حجب على الأقل 7 مدونات في يوم واحد هي نورمال لاند، بيق تراب بوي، أنتيكور، أراباستا، بنت عائلة، خشلاف و أرتيكولي و لعل القائمة أطول...

أنا لا أكتب كثيرا في هذه المدونة لأسباب عديدة لا داعي لذكرها و لكن العديد من المدونين ممن تعرفت عليهم في هذا الفضاء الإفتراضي و ممن جمعتني ببعضهم صداقات في عالم الواقع جعلوني أتفاعل مع آرائهم و مع تدويناتهم الرائعة في كل مرة أفتح فيها مجمع المدونات التونسية تن-بلوغز مهما إختلفت معهم في الرأي أو في طريقة إيصال المعلومة.

سأستغل فرصة أن مدونتي لا زالت متاحة في تونس و أن أكتب كلمات علّها تصل صوت المسؤولين في الوكالة التونسية للإنترنت و لرؤسائهم:

السادة المسؤولين عن الحجب في تونس،

إتفوه تليق بمقامكم،

أمّا بعد،

منذ سنوات أعرف أنكم أغبياء و أنكم تزدادون غباءا كل يوم و لكن ما لم أكن أتصوره هم أن تكون حيوانات بدون عقل أصلا. فقد يكون من العادي أن عملكم كبوليس أنترنت يفترض فيكم أن تكونو كالحمير تنفذون الأوامر دون أن تعملو عقلكم و لكن من التطرف الغبائي الذي يوصلكم لمكانة الحيوانات – و هم أشرف منكم – أن تعتقدو أن مواصلة الحجب العشوائي الذي تمارسونه سيمنع الشعب التونسي من الوصول إلى المعلومة التي تودّون حجبه عنها أو من قراءة نص جميل يزعج أسيادكم.

ألم تتعلمو من التاريخ يا دينصورات؟؟ ألم تتعلمو أن الحرية هي من تنتصر؟ لن أسألكم هل تقرؤون ما تحجبون أم لا لأني متأكد أنه لا عقول لديكم و أنه حتى الحيوان الذي شبهته بكم هو أذكى منكم و أقدر منكم على فهم الواقع.

لن أطيل عليكم فأنتم لا تستحقون من وقتي الكثير، هذه بضع كلمات خططتها لكم فقط لكي تقرؤوها و توصلوها لأسيادكم لأنهم أعلم منكم بأن الحرية هي التي تنتصر في النهاية.

إتفو عليكم مرة ثانية و ثالثة و أخيرة و ليس آخرة

و لدينا لقاء قريب في تونس حرة

الخميس، 18 مارس 2010

نداء

"ثمن الكرامة والحرية فادح ..ولكن ثمن السكوت عن الذل والاستعباد أفدح " مثل عربي

منذ بضع سنوات زار تونس الفنان العربي المتميّز مرسال خليفة و أحيا حفلا رائعا في مسرح قرطاج الأثري بالضاحية الشمالية لتونس العاصمة. و كعادة مرسال في السنوات الأخيرة أهدى أغنيته الأخيرة للمساجين العرب في السجون الصهيونية و لمساجين الرأي العرب في السجون العربية. منذ اليوم الموالي للحفل هاجت الصحف الصفراء و ماجت: كيف لمرسال أن يقول هذا؟ في تونس لا يوجد مساجين رأي؟؟ إلخ و طبعا جادت قريحة بعض المتخلفين ذهنيا من المطبلين و لامو مرسال عن قول ذلك في مسرح قرطاج كونه يبعد بضع المئات من الأمتار عن قصر الرئيس و مثل هذه الكلمات لا يجب أن تذكر قرب فخامته و طبعا – أيضا – صدرت بعض الدعوات لمقاطعة مرسال في مهرجاناتنا – وهو ما وقع في مهرجان صغير بحمام سوسة – ثم وقع تدارك الأمر و تناسو – عن مضض – ما وقع ...

هذه الواقعة رسخّت في ذهني طبيعة الفنان المناضل أو بالأحرى طبيعة من يستحق صفة مناضل سواءا كان فنانا، كاتبا أو عاملا فالمناضل الحقيقي هو المناضل الثوري ، المناوئ للسلطة، وداعيه الحرية والابداع والتغيير، والذى تطارده السلطة والتيارات الرجعية و الذي لا يخشى السلطة العربية و لا بوليسها فسلاحه هو كلمته الحرة. في أيامنا هذه تطلق صفة مناضل على العشرات من الذين قد لا يستحقونها فهي تطلق تارة على القابع خلف حاسوبه ينظر صباحا مساءا للأممية العالمية و طورا على كل من ينادي بالوحدة العربية و طورا آخرا على كل من نقد و لمّح بطريقة غير مباشرة لإسم الزعيم المفدى و كأنه يقول له إنّي أنتقدك و لكن بصورة غير مباشرة فلا تطلق عليّ كلابك.. و لعل ما يجمع هؤلاء كونهم لم ينزلو مرّة واحدة للشارع من أجل ذلك المواطن العربي البسيط الذي شبعوه تنظيرا و شعرا و لعل آخر مرة شاركو في مسيرة يوم كانو في الجامعة و لذلك تراهم اليوم يتحسرون على أيامهم تلك لأنها الأيام الوحيدة التي تصدق فيها صفة مناضلين عليهم.

نحن دعاة وحدة و لكننا أيضا دعاة تحرر و دعاة حرية و على كل من يرى في نفسه مشروع مناضل أن يحارب من أجل المطالب اليومية لأفراد شعبه، مطالبهم اليومية في عمل حر، مطالبهم اليومية في خبز حرّ، مطالبهم اليومية في كلمة حرة، عليه أن يساند كل من تعرض لمظلمة، عليه أن يساند كل من يدعو لكلمة حق و كل من يعمل لمصلحة هذا الشعب. الدكتور عصمت سيف الدولة كتب يوما: " إن الصامتين اليوم عن الإستبداد الإقليمي هم المستبدون غدا في دولة الوحدة"... أين نحن اليوم من المشاغل اليومية لأفراد شعبنا؟ أين نحن من مشاغل العاطلين عن العمل و المهمشين في الأحياء الشعبية و من المتضررين من إستغلال شركات المناولة و غيرهم... أليسو أفرادا من هذا الشعب أيضا و علينا مساندتهم و الجهر بالدفاع عن حقوقهم و مطالبهم؟؟ على كل من يرى في نفسه مشروع مناضل أن ينزل قليلا من أبراجه العاجية و أن يحتكّ قليلا بالمواطن العادي و أن يمارس النضال معه في الشارع و في عمله و في مقهاه... لقد مارست الدولة القطرية كل السبل لكي تقطع الأجيال الجديدة مع ماضيها المشرف فهم لا يحملون سوى السواد عن الماضي و لا يعرفون شيءا عن علمات (جمع علم) الماضي فلا أسماء الدغباجي و لا صالح بن يوسف و لا محمد علي الحامي و لا جول جمال و لا الخطابي و لا حتى بن بلة و عبد الناصر تعني لهم شيئا... أين جيل السبعينات و الثمانينات من كل هذا ؟ أين دورهم في أن يكونو في الصفوف الأولى للحفاظ على موروثهم و للدفاع عنه؟؟

يقبع اليوم العشرات من خيرة الشباب العربي في السجون الصهيونية و السجون العربية – وهي صهيونية أيضا – و نحن نتفرج عليهم و نكتفي بكتابة جملة مساندة على حائط الفايسبوك أو نشر قصيدة أو فيديو لمساندتهم؟؟؟ نحن قادرون على فعل أكثر من ذلك... نحن قادرون على إحداث حراك شعبي لو تمّ التحضير له على أسس علمية... نحن قادرون على هزّ عروش أباطرة العالم فما بالك بحكام مأجورين.. تقولون لي سنعتقل.. أقول ممكن و أكيد.. تقولون لي سنضرب و نعذب.. أقول ممكن و أكيد.. تقولون لي سنهان و نسب.. أقول ممكن و أكيد.. و لكن الأكيد هو أن الشعب سيشعر بوجودنا و التضحيات التي سيقدهما بعضنا ستبني بداية الطريق للآخرين... لا يمكننا أن ندعو للحرية بالكلام فقط و نجلس ننتظر الفرج أو ننتظر أن يأتي المهدي المنتظر ليقودنا أو أن يأتي سوبرمان العربي ليقود وحده المعركة... إن النضال و المقاومة من أجل تحرير فلسطين و العراق تتوازى مع النضال ضد الأنظمة العربية و قمعها و من أجل حرية كل فرد في هذا الوطن.

علينا أن ننزل إلى الشارع يوميا و أن نشارك المواطن العادي همومه و مشاكله لأننا أبناء هذا الوطن و نشاركه نفس الهموم و المشاكل ف"الأولوية هي لحرية الفرد و تحرره و لحرية المجتمع و تحرره من الاستعمار و الاستغلال. لا يمكن ان تنتظر حرية الأخرى و لا يمكن أن يحرر العبيد ارضهم من المحتل بأن يظلوا عبيدا و لا ان يتحرر الانسان من العبودية تحت نير الاحتلال. المعركة ضد القهر و الاستعباد سواء كان داخليا أم خارجيا هي معركة واحدة من اجل التحرر و يجب ان تتم في نفس اللحظة التاريخية لا ان تؤجل الواحدة من أجل الأخرى. " *1*

يقول الفنان مرسال خليفة في إحدى أغانيه: "إني إخترتك يا وطني حبّا و طواعية، إني إخترتك يا وطني سرّا و علانية، فليتنكر لي زمني ما دمت ستذكرني يا وطني الرائع يا وطني"... ما نمارسه اليوم و ما قد نمارسه غدا سيسجله الوطن لا غير في دفاتر تاريخه و لا يجب علينا أن ننتظر شهادة شكر منه أو من شعبنا. كل من يبتغي مستقبلا أفضل لأبنائه و لأجيال الغد عليه أن يبدأ منذ الآن و مسيرة الألف الميل تبتدئ بخطوة.

لا تسقني ماء الحياة بذلة**بل فإسقني بالعز كأس الحنظل

ماء الحياة بذلة كجهنم**وجهنم بالعز أطيب منزل

الجمعة، 5 فبراير 2010

إعتصام


أذكر جيدا أوّل إعتصام أشارك فيه كطالب و ناشط بالإتحاد العام لطلبة تونس. كنّا حوالي 25 طالبا، بعضنا يفترش الأرض أمام مكتب المدير و البعض الآخر كان يتمتع بالجلوس على الإركة الفاخرة الموضوعة في صالة الإنتظار.

لم تكن مطالبنا صعبة المنال، بل إن الطلبة الغير نقابيين لم يستوعبو جيدا لماذا نقوم بإعتصام.

كان كل ما طلبناه من الإدارة هو أن تكون لنا مدة مراجعة لا تقل عن ثلاثة أيام قبل الإمتحانات. في البداية و بما أني كنت ممثل الطلبة في المجلس العلمي، قدمت مطلبا كتابيا للمجلس تمت مناقشته و إبداء موافقة بدائية من الجميع بمن فيهم المدير.

و لكن بعد أيام من ذلك – و بعد تهرب المدير من مقابلتي عديد المرات – إستطعت أن أمسك به في ممرات المدرسة و عندما سألته عن مذكرة مدّة المراجعة التي ينتظرها الطلبة قال لي بالحرف الواحد: "ما فمّاش فترة مراجعة، لا أسبوع و لاحتى نهار واحد و ما تفاهمنا على شي و أعمل إش تحب". طبعا و بعد محاولات أخرى لإيجاد حل قوبلت كلها بالرفض و التعنت قررنا بعد نقاش مع الطلبة أن نعتصم أمام مكتب المدير حتى يقابلنا و الطلبة و أن يعيد ما قاله لي أمامهم.

بدأ اليل يحطّ ستاره و بدأ بعض الطلبة بالتململ و التشكي من كون إعتصامنا هذا لن يفضي لشيء، و لكن حركات حارس الإدارة مجيئا و ذهابا – مستعلما عن حالتنا - و المعلومات التي تصلنا من بعض العاملين كون المدير لا زال في مكتبه مجتمعا بالكاتب العام كانت تحفزنا و الطلبة على البقاء و النوم هنا إن لزم الأمر. و لعل البلبلة الوحيدة التي أزعجتنا هي معلومات، من بعض الطلبة الأصدقاء، عن وصول سيارتا شرطة من الحجم الكبير (باقة) مرابضتان أمام المدرسة، هذه المعلومة جعلت الطلبة تطلق الإشاعات من كون المدير أعطى موافقته للشرطة بفك إعتصامنا بالقوّة وهو ما خلق حالة من الخوف داخلهم و داخلنا فلا نحن و لا هم نريد أن نضرب أو أن نعتقل...

بدون إطالة، و حوالي الساعة التاسعة ليلا، خرج لنا المدير و طلب أن نكون لجنة من ثلاثة طلبة تدخل معه المكتب للحديث و النقاش و كان ذلك و كان لنا معه إتفاق مكتوب صاغه أمامنا عن تعيين ثلاثة أيام مراجعة تسبق الإمتحانات.

هذه الحادثة تذكرتها و أنا أتابع المحاكمات الصورية التي واجهها طلبة الإتحاد العام لطلبة تونس بمنوبة، هم أيضا كانو يقومون بإعتصام كحركة إحتجاجية أخيرة يلجؤون إليها عندما تتعنت إدارة ما في سماع أصواتهم. ربما هو الحظ، ربما هو نوعية مديرنا في المدرسة الذي كان أستاذا لنا قبل ذلك مما جعله يتفهم مطالبنا و لو بعد مماطلة، ربما هو الخوف من تصعيد كان سيقلقه هو الذي جعله يتنازل أو ينزل من موقعه ليحادثنا و يناقشنا و أخيرا يرضخ لمطالبنا المعقولة، ربما .....

أعرف أن مديري المبيتات الجامعية الحكومية يعينون في الأغلب إنطلاقا من إنتمائهم الحزبي، و طبعا أتحدث هنا عن الحزب الحاكم، أكثر من نوعية دراستهم أو إختصاصهم و بالتالي فمن العادي عليهم أن يلجؤو للأساليب الأمنية عوضا عن الحوار فهم يريدون أن يحافضوا على مناصبهم و على بطونهم المتكرشة... و بالتالي فإني لا أستغرب منهم هذا الأسلوب في التعامل الأمني مع حركة نقابية يضمنها دستور تونس فهم كما السلطة التي تشغلهم لا يريدون أن يتعود الشباب عموما و الطلبة خصوصا على ممارساة حقهم في الإحتجاج و بالتالي يرون دائما في حلّ العصا الحل الأمثل لإسكات صوت الشباب، هذا الشباب الذي أصمّو آذاننا بالإفتراء عليهم و بهم فتارة يعلنون هذه السنة سنة الشباب و طورا يصرخون بأن الشباب هو عماد المستقبل وهو ملهم التغيير و لكن عندما ترى الواقع تجد شبابا عاطلا عن العمل و شبابا يرمي بنفسه للموت في البحور من أجل جنة أوروبا الغير موجودة أصلا...

أختم هذه التدوينة بتذكير مباشر لكل بوليس يقرأ هذه المدونة، يا أغبياء تعلمو من التاريخ، اليوم هو ذكرى حركة 5 فيفري و لو تقرؤون التاريخ جيدا ستعرفون أنّ ما تقومون به لن ينفعكم فإن إستطعتم قطف بعض الزهور لن تستطيعو وقف زحف الربيع... هؤلاء الذين تسجنونهم و تقمعونهم اليوم هم الشموع التي ستضيء درب الحرية في تونس المستقبل.

أطلقو سراح الطلبة المساجين

لا للقمع، لا للبوليس داخل الجامعات

نعم للعمل النقابي و السياسي داخل الجامعة

الحرية للطلبة و لكل مساجين الرأي