16 سبتمبر ، تاريخ عادي للبعض ، عيد ميلاد أحدكم ربمّا، ذكرى سعيدة أو حزينة للبعض الآخر و لكنه لي هو ذكرى أحزان لم أشهدها و ذكرى شهداء لم أعرفهم يوما و لكني كبرت على حكاياتهم و بطولاتهم. ففي مثل هذا اليوم من سنة 1982 قامت قوات العملاء و الخونة من اليمين المسيحي اللبناني بأحد أكبر المجازر في تاريخ البشرية الحديث: مجزرة صبرة و شتيلا التي خطط لها و راقبها و باركها العدو الصهيوني. في 16 سبتمبر أيضا أعدم الشهيد البطل عمر المختار، بطل المقاومة اللّيبية و أسد الصحراء، على يد المحتل الإيطالي الفاشي و في 16 سبتمبر أيضا إستشهد مواطن عربي من مصر العربية، مات شهيدا في زنزانته التي إختاره لها زبانيته من عملاء النظام المصري، هذا البطل و الشهيد هو محمود نور الدين.
الشاعر عطية حسن رثاه بهذه الكلمات التي شتضل خالدة خلود وطننا العربي و مادامت هذه الأرض ولاّدة و معطاء:
الخلود للبطل ...مش للغواني واللصوص وتجار الحشيش
كان في عشقه للبلد من أخلص الدراويش
معقولة ماتت إيده القوية
اللي ضحكت بين صوابعها كتير البندقية
وكانت أد جيش ؟!
معقول يكون الفجر ف عينيه الجميلة
مش حيطلع مرة تانية
ولا يغنيش؟!
معقولة نور الدين انطفا
ف لعبة طيش؟!
مات البطل لكن البطولة تعيش
محمود نور الدين هو ضابط مخابرات مصري رفض الذل و العار اللّذان خيمّا على بلده بعد إتفاقية العار، إتفاقية كامب ديفد التي وقعها العميل أنور السادات مع الكيان الصهيوني و صرخ عاليا باحثا عن الكرامة المفقودة.
عمل نور الدين لمدة 20 عاما في إنجلترا بالسلك الدبلوماسي المصري بالإضافة إلى دائرة المخابرات، وهو حاصل على وسام للشجاعة أثناء حرب أكتوبر 1973.لكنه قرر بشكل مباغت الاستقالة من عمله بعد أن زار الرئيس السادات القدس المحتلة عام 1977, وركز جهوده على نشر مجلة معادية للسادات في لندن تسمى (23يوليو) وكان يرأس تحريرها محمود السعدنى. وبين عامي 1980 و1983 تعاون نور الدين مباشرة مع صديقه القديم خالد عبد الناصر نجل الزعيم الراحل، وعاد كلاهما إلى مصر في 1983. وخلال ستة أشهر، بدأ نور الدين تنظيمه المسلح السري الذي أطلق عليه "ثورة مصر".وكان الهدف الرئيسي للتنظيم تصفيه الكوادر الجواسيس العاملين تحت غطاء السلك الدبلوماسي، لكن بصورة غير رسميه حتى لا تقع مصر فى أزمات دبلوماسيه أو ما شابه ...وبعد عدة عمليات ناجحة، وجد نور الدين نفسه بين المطرقه والسندان ... فمن ناحيه تبحث عنه المخابرات الإسرائيليه (الموساد) بصفته خطرا على عملائها فى مصر, ومن ناحيه أخرى تبحث عنه السلطات المصريه بصفته مهددا لسلامه أشخاص تحت المظله الدبلوماسيه ... كان الوضع صعبا للغايه .. إلا أن رجل المخابرات المحنك لم يتنازل عن هدفه السامى فى إصطياد الجواسيس ...وهكذا إستمر تنظيم ثورة مصر فى إثارة جنون الموساد بعد عملياته الناجحه الواحدة تلو الأخرى . كان الموساد بكل عيونه وجواسيسه ومحترفيه يفاجأ بضربات نور الدين الموجعه الواحدة تلو الأخرى , وكان إسم تنظيم ثورة مصر يذاع فى وسائل الإعلام مقرونا بعمليات تصفيه للموساد فى مصر منها عمليه قتل مسئول الأمن فى السفارة الإسرائيليه ( زيفى كدار ) الذى أعلن تنظيم ثورة مصر قتله فى يونيو 1985.وكذلك قتل (ألبرت أتراكش) المسئول السابق عن الموساد فى إنجلترا والذى كان يعمل فى مصر , وتم قتله فى أغسطس من نفس العام , وأيضا الهجوم على سيارة إسرائيليه أمام معرض القاهرة الدولي بمدينة نصر فى العام التالى مباشرة ...إلا أن نور الدين لم يكتفى بهذا القدر من العمليات , بل إمتد نشاطه ليشمل الأمريكيين , وكان يعلم بحكم عمله السابق فى المخابرات المصريه أن الولايات المتحدة هى حليفه إسرائيل , فإستهدف 3 عاملين فى السفارة الأمريكيه فى القاهرة فى مايو 1987 .وهكذا دخلت المخابرات الأمريكيه فى دوامه البحث عن تنظيم ثورة مصر وقائدة محمود نور الدين ...كان الأمر يزداد صعوبه فى وجه تنظيم ثورة مصر الذى تقوم 3 أجهزة مخابرات بتعقبه .. المصريه والأمريكيه والإسرائيليه ...وكانت المخابرات الأمريكيه على إستعداد لدفع ثروة مقابل أى معلومه عن التنظيم ...وللأسف جائتهم المعلومات على طبق من فضه ...كان لمحمود نور الدين شقيق يدعى عصام , كان يعتبر الرجل رقم 2 فى التنظيم , إلا أن عصام إنحرف و إتجه إلى طريق الإدمان ورفاق السوء .. وهدد عصام أخيه نور الدين بفضح أمر التنظيم للمخابرات إذا لم يعطه أموالا ليشترى بها المخدرات , فلم يكن من نور الدين إلا أن أطلق الرصاص على قدمه كإنذار له على عدم الوشايه بالتنظيم ..إلا أن المخدرات لعبت فى أحد الأيام بعقل عصام , وخيل له الشيطان أن طريقا مفروشا بالورود أمامه إذا قام بالإبلاغ عن شقيقه محمود.إتصل عصام بالسفارة الأمريكيه فى القاهرة , وما أن قال لعامل الإتصال أنه الرجل الثانى فى تنظيم ثورة القاهرة وطلب موعدا للقاء السفير حتى إنقلبت السفارة رأسا على عقب ...وفى غرفه مغلقه ضمت السفير الأمريكى وعصام نور الدين ومسئول المخابرات الأمريكيه وأخر من الموساد , وبعد إجراءات تفتيش طويله لعصام , وبعد تكثيف الحراسه على السفارة كما لو أنها حصن حصين , بدأ عصام على مدار الساعات الأربع يشرح للجميع كيفيه عمل تنظيم ثورة مصر ...كان يشرح لهم كيف يقومون بالعمليات ...ومصادر التمويل ...وطرق التنفيذ ..كل شىء ...أضاف لذلك قيامه بالإتصال أمام مسئولى السفارة بعدد من أعضاء التنظيم لضمان مصداقيه كلامه , ثم ختم سيمفونيه خيانته لأسرته الكبيرة ( الوطن ) وأسرته الصغيرة ( أخيه ) بتقديم ( نوته ) تحتوى على أسماء جميع رجال التنظيم وأرقام هواتفهم وعناوينهم ....وفى النهايه طلب عصام من السفير ثمن كل هذة المعلومات الثمينه ...طلب ثمن الخيانه ...وكان الثمن نصف مليون دولار وجنسيه أمريكيه ....وأوهمه السفير ( كاذبا ) بأن كل طلباته ستكون مجابه ...وسقط تنظيم ثورة مصر فى ساعات معدودة ...وبدلا من مكافأته، سلم الأمريكيين عصام إلى السلطات المصرية وحوكم وتمت إدانته بـ 15 سنة في السجن، لكن تم فصله عن باقي أعضاء التنظيم بعد ان وسم بالخائن.وتمت محاكمه أعضاء التنظيم, وشملت التهم الموجهة إليهم:
1. القيام بأنشطة عرضت علاقات البلاد بالحكومات الأجنبية للخطر.
2. إغتيال دبلوماسي إسرائيلي في المعادي في 4 يونيو 1984
3. قتل دبلوماسي إسرائيلي في 20 أغسطس 1985
4. الهجوم ضد السرادق الإسرائيلي في معرض القاهرة التجاري عام 1986.
5. إغتيال الملحق الثقافي الإسرائيلي وجرح إثنان من رفقاء وزير السياحة الإسرائيلي الذي كان يزور السرادق.
6. محاولة إغتيال دبلوماسي أمريكي في 26 مايو 1987.
وكانت حصيلة العمليات: قتيلان إسرائيليان، ستة جرحى إسرائيليين وأثنين أمريكيين.وحوكم نور الدين مع 10 من المتهمين، من بينهم خالد جمال عبد الناصر، الذي كان خارج البلاد في ذلك الوقت، وحوكم غيابيا بتهم بتمويل المجموعة وتجهيز الأسلحة، لكن تمت تبرئته وأربعة آخرين. وتم تصوير المتهمين خلال المحاكمة كإرهابيين ومدمنو مخدرات.ووضع محمود نور الدين فى السجن ليقضى فيه 11 عاما بعد أن حكم عليه بعقوبة 25 عاما قبل أن يلقى ربه في سجن في مثل هذا اليوم من سنة 1998. وفي عشية الذكرى العشرين لإتفاقيات كامب ديفيد التي أرست أسس العلاقات المصرية الإسرائيلية شيع جثمان محمود نور الدين في وداع مهيب ، وهي الإتفاقية التي أقسم نور الدين على محاربتها.وعلى الرغم من الحضور الأمني الواضح والمكثف، هتف المشيعون بهتافات معادية لإسرائيل وأحرق العلم الإسرائيلي خلال الجنازة.ويبقى أسم نور الدين في الأذهان وفى العقول والضمائر
من رأى منكم احدا يثق باسرائيل وامريكا
فليقاومه بيده
وإن لم يستطع فبلسانه
وإن لم يستطع فبقلبه
وإن لم يستطع فبالكلاشنكوف
وهذا أضعف الإيمان
ناجى العلى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق