الثلاثاء، 12 ديسمبر 2006

الزعيم الدكتور الحبيب ثامر

في الذكرى السابعة والخمسين لاستشهاد الزعيم الدكتور الحبيب ثامر
اجتاز الحدود البحرية خلسة بين فرنسا وإسبانيا وكاد يغرق في النهر من أجل قضية تونس والمغرب العربي


إن من أنبل المعاني في تونس الوطن تحقيق المصالحة الوطنية والإعتراف بخدمات الزعماء والشهداء والمناضلين الذين ضحوا بالغالي والنفيس في سبيل الوطن، خاصة زمن الإستعمار البغيض وفي سنوات القهر والإضطهاد، وفي هذا الإطار أحاول اليوم بعد البحث والتنقيب وتسليط الأضواء على نضال أحد زعماء تونس في الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين إلى أن توفي شهيد الكفاح وهو في مهمة كان كلفه بها الديوان السياسي، إثر اصطدام الطائرة التي كان يركبها بقمة جبل، فسقط شهيد، النضال السياسي وفقدنا آنذاك بوفاته، وفقد الحزب الحر الدستوري التونسي والمغرب العربي زعيما كرس حياته وجهده للعمل على مقاومة الإستعمار في تونس والجزائر والمغرب وليبيا، وتحقيق العزة والكرامة لأبناء بلادنا وكل أقطار المغرب العربي.

فمن هو الشهيد الدكتور الحبيب ثامر؟ وما هي أبرز أعماله البطولية ومساهماته النضالية من أجل تونس وشمال افريقيا والمغرب العربي؟

ولد الشهيد الحبيب ثامر في يوم 9 ماي 1909 بتونس العاصمة، في نهج سيدي بن عروس، من عائلة عريقة معتزة بجذورها العربية الإسلامية، إلى جانب علاقتها الوثيقة بالعائلة الحسينية الحاكمة، وتلقى تعلمه الإبتدائي والثانوي بالمدرسة الصادقية، التي كان أنشأها الوزير المصلح خير الدين باشا سنة 1875 في عهد محمد الصادق باي، لنشر العلوم العصرية والثقافة المستنيرة، وهناك تحصل على شهادة ختم الدروس، وعلى شهادة البكالوريا، ثم تحول إلى فرنسا، ليدرس الطب، في كلية تولوز أولا ثم في كلية الطب بباريس، وتخصص في الأمراض الصدرية وحصل على الدكتوراه في الطب سنة 1938، واختار أن يكون موضوع أطروحته عن «مقاومة مرض السل بتونس» وهو ما يعني اهتمامه بكل أحوال المجتمع التونسي ورغبته في مقاومة كل ما يصيبه من داء.

وفي تلك الفترة بفرنسا، تمكن المرحوم الحبيب ثامر من الإتصال برفاق الدرب والنضال من التونسيين والجزائريين والمغاربة أمثال أحمد بن ميلاد وعلي البلهوان وفرحات عباس ومحمد الفاسي وغيرهم من الشباب المغاربي، وأعادوا إحياء جمعية طلبة شمال افريقيا المسلمين في خريف سنة 1930 أي في العام الذي استفحلت فيه الأوضاع بأقطارنا المغاربية، إذ احتفل المستعمرون بمئوية احتلال الجزائر، ثم بخمسينية إقامة الحماية بتونس، ونظموا المؤتمر الأفخرستي المسيحي بقرطاج، إلى جانب الأزمة الإقتصادية العالمية.

وقد عملت الجمعية على مساعدة الطلبة العرب الوافدين من شمال افريقيا كي يواصلوا دراستهم بأوروبا، كما كثف أعضاؤها الإتصال باليد العاملة المغاربية لتوعيتها بأوضاعها وبأوضاع الأقطار الثلاثة الرازحة، آنذاك، تحت نير الإستعمار وبطشه. وتمادى أعضاء جمعية «طلبة شمال افريقيا المسلمين» في نشاطهم وكانت مطالبهم تتمحور حول مسائل جوهرية منها :
توفير التعليم لأبناء أقطار المغرب العربي، إذ أن العلم هو الوسيلة الوحيدة الكفيلة بتحرير الشعوب من كل أشكال الوصاية والهيمنة والإذلال، ومنها كذلك ضرورة استعمال اللغة العربية بصفة رسمية في المدارس والمعاهد، ونادوا بوجوب إقرار برنامج تعليمي موحد لكل بلدان المغرب العربي، وألحوا على إدراج مادة تاريخ الحضارة العربية الإسلامية، وعلى ضرورة تعليم البنت والمرأة ضمانا لتربية الأجيال القادمة، ولقد كان دور الزعيم الشهيد الحبيب ثامر فاعلا في تلك الجمعية، بحيث كان كاتبها العام في الدورات الثلاث، ثم رئيسا لها فيما بعد ، بمؤازرة رفاق دربه المرحومين الهادي نويرة وعلي البلهوان والمنجي سليم والصادق المقدم وغيرهم من أبناء تونس، إلى حد أن المخابرات الفرنسية اعتبرت جمعية طلبة شمال افريقيا فيما بين سنة 1934 وسنة 1937 خلية دستورية تونسية في باريس.
وقد تجلت في تلك الفترة وطنية المرحوم الحبيب ثامر ونضاله السياسي، وكذلك اتضح توجهه المغاربي، ولعل ذلك خير مساعد له على أن يكون فيما بعد من مؤسسي مكتب المغرب العربي في القاهرة سنة 1947. وفي سنة 1938، شهدت تونس أحداثا كبرى، أهمها حوادث 9 أفريل التي انتصر فيها الشعب وشبابه، بقيادة الزعيم الراحل المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة وزعيم الشباب المرحوم علي بلهوان في مظاهرة عارمة، مطالبين فيها السلطات الإستعمارية بإقامة برلمان تونسي، ولكن البوليس الفرنسي قبض على الزعماء وزج بهم في السجن، إلا أن الحبيب ثامر، الذي عاد إلى أرض الوطن في تلك السنة بالذات، أخذ عن رفاقه المشعل وسطر برامج لإحياء الحركة الوطنية، وظل على استبساله ونضاله الدائم دون كلل ولا ملل حتى ألقي عليه القبض صحبة ابن خاله المناضل المرحوم الطيب سليم في جانفي 1941، وحكم عليهما بالسجن مدة عشرين سنة، مع الأشغال الشاقة، لولا دخول قوات المحور إلى تونس في نوفمبر 1942 فأطلق سراح المساجين السياسيين من السجن المدني بتونس إثر انتفاضة وعصيان أعلنوها بتدبير من الحبيب ثامر.
وامتثل الحبيب ثامر لتعليمات الزعيم الحبيب بورقيبة بعدم الميل مع جيش المحور ضد جيوش الحلفاء، توقعا لهزيمة قوات المحور الوشيكة، وإيمانا منه بخطر الفاشية والأنظمة الكليانية على العالم، يؤكد ذلك مقاله الذي توجه به إلى الزعيم بورقيبة في جريدة «افريقيا الفتاة» التي كان يوم 7 فيفري 1947، كما تؤكد ذلك مواقف المناضل الحبيب ثامر المتصلبة في محادثاته مع رودولف، راهن ممثل النازية الذي أقام بدار حسين ( في تونس العاصمة )، وتحركه لإيقاف نشاط جمعية «شباب محمد» التي سخرها الألمان لأغراضهم الدنيئة، وقد كان المحور يحاصر المناضل الحبيب ثامر في كل مكان ويتابع تحركاته ويحلل بكل عناية كتاباته ومقالاته المتعددة والمتنوعة، حتى أنه كاد يقع في فخهم سنة 1944 عندما سافر إلى باريس في مهمة وطنية حزبية، إلا أنه خير أن يعود إلى تونس عبر اسبانيا خلسة، فقطع النهر سباحة، وكاد يموت غرقا، ولكنه نجا من الموت بأعجوبة، والتحق برفاقه هناك، وفي طليعتهم عميد المناضلين السفير الرشيد ادريس (أطال الله في عمره) والمرحومين الهادي السعيدي والطيب سليم وغيرهم. ولما علم الجماعة بوصول الزعيم الحبيب بورقيبة إلى القاهرة في أفريل 1945، اجتهدوا في الإلتحاق به، ولم يستطيعوا الحصول على التأشيرة المصرية إلا بعد أتعاب وتدخلات متنوعة ومشقة، وفي جوان من سنة 1946 تمكن الحبيب ثامر ورفاقه من دخول مصر، والإتصال بالزعيم بورقيبة، وقد تأسست قبل مجيئهم الجامعة العربية في 22 مارس 1945، ورغم ذلك فقد ظل المناضل الحبيب ثامر متشبثا بتوجهه المغاربي مدافعا عنه بقوة إلى أن التأم فيما بين 15 و22 فيفري 1947 مؤتمر الأحزاب المغاربية ووقع الإتفاق على تكوين مكتب المغرب العربي، تولى إدارته الحبيب ثامر.
ولئن أقام المرحوم بمصر، فلقد ظل على صلة وثيقة بتونس وبأوضاعها، وكان ينشر عنها المقالات في أبرز وأكبر الجرائد المصرية، وألف كتابا قيما قام بنشره وتوزيعه على حسابه الخاص أرخ فيه تاريخ الحركة الوطنية التونسية عنوانه «هذه تونس » ، ورغم غيابه عن أرض الوطن، فقد انتخبه الدستوريون، يوم 17 أكتوبر 1948، في مؤتمر «دار سليم»، رئيسا مساعدا للحزب الحر الدستوري التونسي، اعترافا له بجليل الأعمال وبنضاله ووطنيته الصادقة والنزيهة ودون أهداف ولا غايات دنيوية.
وفي شهر نوفمبر من سنة 1949، عهد الديوان السياسي إلى المرحوم الحبيب ثامر بمهمة تتمثل في حضور المؤتمر الإقتصادي الإسلامي الذي وقع في باكستان، بعاصمتها كاراتشي، فاضطلع بالمهمة على أحسن وجه ومثل تونس خير تمثيل، وإثر انتهاء أشغال المؤتمر، قام بجولة في باكستان، وألقى محاضرات هناك معرفا بالقضية التونسية، ولما كان عائدا من مدينة ( لاهور ) الباكستانية إلى العاصمة كاراتشي، ليلة الثلاثاء 13 ديسمبر سنة 1949، اصطدمت الطائرة التي كانت تقله، بقمة جبل، فلقي حتفه مع كل المسافرين، ومنهم علي الحمامي الجزائري ومحمد بن عبود المغربي.

هذه فكرة موجزة عن حياة الزعيم الشهيد المرحوم الدكتور الحبيب ثامر الذي كان مثالا للوطنية وللعطاء والبذل والتضحية من أجل تونس وشعوب المغرب العربي والعروبة والإسلام قاطبة أذكر بها لعل الذكرى تنفع الذين لا يعرفون إلا القليل والقليل عن المرحوم الشهيد الدكتور الحبيب ثامر ودوره البطولي من أجل القضية الوطنية والتوجه المغاربي والعربي الإسلامي

المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 12 ديسمبر 2006

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

مدونتك رائعة أخي الكريم ، ومحاولاتك لرصد مواقف زعماء حركات التحرر ممتازة وسوف أوافيك قريبا بما لدي حول هذا إن قدر لنا العيش وقدر لنا بعض الوقت لترتيب ما توصلت إليه من دراسات ، لكني في عجالة أبشرك بأنه يولد اليوم في لبنان تحالف طال انتظاره عشرات السنين .. هو تحالف اليسار والإسلاميين الذين تم التغرير بهم قديماً وعزلهم عن اليسار الوطني لا لشيء إلا عيون أمريكا والصهيونية .. اليوم يا أخي لابد أن نقف جميعنا مع تكتل قوى المعارضة اللبنانية التي سوف تعيد الأمور إلى نصابها الحيح حين يتحالف الوطني مع الوطني سواء إسلامي أو يساري من أجل الوطن مهما اختلفنا فيما بيننا .. هذا التحالف العظيم بقيادة السيد حسن نصر الله في لبنان يرعب أمريكا والصهيونية كثيراً جداً لأنهم لا يطيقونه .. لن يطيقوا مواجهة اليسار العربي والإسلاميين حزمة واحدة .. ألست معي ؟ أرجو أن تنوه عن ذلك في كتاباتك الراقية..

وأما بورقيبه أخي الكريم فقد كان كغيره من زعماء العرب ممن تتسلط عليهم الماسونية الشنيعة فتغير حتى من تركيب جيناته فلا ينطق إلا بما تهوى الصهيونية ويعمل لصالحها طيلة حياته .. لقد تحول بورقيبة من زعيم محترم ووطني ئإلى مجرد مسخ شيطاين ماسوني لتحقيق المآرب الصهيونية ماسحاً كل تاريخه النضالي بصورة مرعبة لم تكن ممكنة لأعدى أعدائه .. هو بات عدو نفسه بمرمغة نفسه في ماسونية الصهاينة ورقصات الغراب التي كان يؤديها ومن تبعه كالسادات والواطي حسني مبارك الملعون في الأرض والسماء .. عموما الموضوع يطول وسيكون لنا وقفات كثيرة مع هؤلاء الزعماء الذين تم اصطيادهم بمخالب الماسونية فتصهينوا وعادوا أمتهم وبلادهم وخربوها .. ضحكوا قديما على الإسلاميين فجعلوهم يكرهون اليسار ويهربون منه هربهم من الأسد ، وكذلك فعلوا مع اليساريين واصطفوا من كل التيارات تلك الفئة المنقادة لهم من الأساس .. فئة الليبراليين الذين ربوهم على أيديهم .. الموضوع يطول كما قلت ولا يسعه رد أو تعليق هاهنا ..
لك وللجميع تحياتي ولتونس العزيزة محبتي واحترامي رغم أنف بورقيبه