الحداثة أساس القفزة الماليزية
د. منير حداد (*)
كانت بداية الثمانينات من القرن الماضي متشابهة لكل من ماليزيا و مصر، حيث كان حكم الفرد القاعدة في البلدين (بقيادة مهاتير محمد و حسني مبارك، على التوالي)، كما كان الهدف المعلن للسياسة الاقتصادية للبلدين العمل على دمج الاقتصاد الوطني في الاقتصاد العالمي، حيث جعلت العولمة صهر الاقتصاديات القومية في اقتصاد واحد مسالة حياة او موت. وكانت توقعات خبراء المؤسسات الدولية (بما فيها البنك الدولي) آنذاك ترجح أن تحقق مصر السبق في مجال التقدم الاقتصادي، نظرا للدعم المالي الهائل الذي تتلقاه من أمريكا ودول أخرى، بالإضافة للريع المتأتي من مداخيل قناة السويس، النفط والغاز الطبيعي والدعم الخليجي بمختلف أنواعه. لكن تقرير التنمية البشرية للعام 2005 يعطي معدل دخل الفرد في ماليزيا حوالي ثلاثة أضعاف ما هو عليه في مصر(موقع: http://hdr.undp.org ). كما حققت ماليزيا قفزات هائلة في مجال التعليم والتطور التقني، مما أهلها لان تصبح بحق نمرا من النمور الآسيوية، في مختلف الصناعات بما فيها صناعات رقائق الكمبيوتر-أشباه المواصلات- ، تزاحم بذلك كوريا الجنوبية وتايوان... فما سبب هذه القفزة الماليزية الاستثنائية؟
نجيب في ما يلي على هذا السؤال بالتركيز على عامل أساسي ألا وهو اخذ الدولة الماليزية -خلافا لمصر ومعظم الدول العربية والإسلامية الأخرى- بأسباب الحداثة.
حصل هذا بفضل العزيمة القوية والارادة السياسية مع الدراية والمعرفة باتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، التي قاد بها مهاتير محمد بلاده على طريق التقدم، بالرغم من حملات التشهير التي تعرض لها من القوى الأصولية الاسلامية المتخلفة التي ما فتئت تتهمه بالكفر، كما أكد هو نفسه ذلك خلال حضوره منتدى دافوس الاقتصادي الدولي منذ سنتين. كما قدم نموذج سنغافورة حافزا قويا للتقدم بهذا الاتجاه، حيث لم يترك مجالا للتردد. لذلك كانت الإصلاحات في ماليزيا حازمة وجادة، خلافا للدول العربية التي جاءت إصلاحاتها متأخرة ومحدودة، نتيجة المعارضة القوية لقوى التخلف الاصولية الاسلامية والمجموعات الاقتصادية الطفيلية المستفيدة من النظام القائم، وافتقار الزعامة السياسية للرؤية الواضحة والشجاعة السياسية اللازمة لاعتماد الإصلاحات الصعبة والضرورية في آن واحد.
عمل مهاتير محمد منذ البداية بجدية لتحرير المرأة - نصف المجتمع شبه المشلول في المجتمعات الإسلامية التقليدية- بإجراء تعديلات متتالية على قانون المرأة و إنشاء لجنة برلمانية خاصة بهذا الموضوع، بالتوازي مع إنشاء "وزارة المرأة و العائلة" . ثم تدعم هذا بإنشاء عديد الجمعيات الأهلية لدعم حقوق المرأة ( للمزيد يمكن الرجوع الى موقع: www.wao.org.my). و حصل هذا فيما ظلت المراة في مصر والدول العربية الاخرى، باستثناء تونس، كما مهملا، محرومة من ادنى حقوقها المدنية والاجتماعية والسياسية، وغير مؤهلة تعليميا للمساهمة الايجابية في الدورة الاقتصادية، كل دورها هو ان تكون ربة منزل.
انعكس الاهتمام بتحرير المراة من رق القرون الخوالي في التجربة الماليزية بقوة على قطاع التعليم، حيث يفوق عدد الإناث الذكور في الجامعات بحوالي 28%، وهي جامعات في مستوى عالمي، و يتوجه 40% من مجموع طلابها لاختصاصات العلوم والرياضيات والهندسة، مقارنة بــ30% بالأردن و 19% بالمغرب. وساعد هذا النجاح المرأة الماليزية على لعب دور فعال ورائد في تشكيل اليد العاملة، حيث تبلغ مشاركتها 62% من إجمالي الذكور مقابل 46% فقط في مصر. و تغطي هذه المشاركة كافة الأنشطة، حيث يشير تقرير التنمية البشرية إلى نسبة نساء تصل 23% ضمن شريحة المشرعين ومديري المؤسسات مقابل 9% فقط في مصر، وإلى استحواذ المرأة الماليزية على 40% من مجمل مناصب التقنيين والمهنيين، مقابل 13% في مصر، مع التأكيد مجددا على الفارق الكبير في النوعية بين البلدين، حيث ان المراة الماليزية تحصل على تعليم ومعرفة تفوق بكثير المتوسط العالمي.
وبالرغم من التشابه الكبير في زيادة السكان ومعدل عدد الأطفال بين البلدين ، إلا أن التقدم الاقتصادي في ماليزيا وفر الظروف الملائمة للمرأة بدءا بخدمات الصحة، حيث تتم كافة عمليات الولادة بإشراف عاملين اخصائيين (بنسبة 97% حسب التقرير المذكور أعلاه)، مقارنة بنسبة 69% فقط في مصر، و ساعد على تخفيض معدل وفيات الأمومة لكل ألف مولود حي إلى 40 في ماليزيا، مقارنة بــ84 في مصر.
بالتوازي مع النهوض بالمرأة، عملت الحكومة الماليزية على إحداث نقلة نوعية على مستوى التعليم، حيث ارتقى ترتيب الدولة في الأولمبياد الدولي للرياضيات من المرتبة 15 عام 1999 إلى المرتبة 10 عام 2003، بينما جاءت مصر في ذيل القائمة، تليها السعودية (النتائج منشورة على موقع: http://timss.bc.edu ).
كما قام القطاع الخاص بالاستثمار بقوة في قطاع الجامعات حيث تصل حصته 60%، مما ساعد مجهود الدولة وحسن من ملاءمة خريجات التعليم العالي لمتطلبات سوق العمل. وعلى هذا الأساس، وفرت ماليزيا فرص العمل لكل أبنائها بالإضافة إلى مليون عامل أجنبي!
كما عملت الدولة على الدفع بقطاع الأبحاث والتنمية الضروري للتجديد التكنولوجي في اقتصاد المعرفة، حيث تنفق سنويا نسبة 0,8 % من الناتج المحلي مقارنة بـ 0.2% في مصر. و شجع هذا الشركات العالمية الرائدة على الاستثمار داخل البلاد. و أصبحت ماليزيا بذلك مصدرا أساسيا للتقنيات المتقدمة التي تبلغ حصتها 54% من مجموع الصادرات، مقارنة بأقل من 4% في الدول العربية الأكثر انفتاحا على الخارج.
اليوم والدول العربية تحاول الإصلاح، من المهم الأخذ بأهم عناصر الحداثة الماليزية -حقوق المرأة والتعليم العصري الموجه لقطاع العلوم والتكنولوجيا- بهدف الخروج في أسرع وقت من كبوتها الناتجة عن فشلها في هذا المجال، خلال العقود الماضية.
كانت بداية الثمانينات من القرن الماضي متشابهة لكل من ماليزيا و مصر، حيث كان حكم الفرد القاعدة في البلدين (بقيادة مهاتير محمد و حسني مبارك، على التوالي)، كما كان الهدف المعلن للسياسة الاقتصادية للبلدين العمل على دمج الاقتصاد الوطني في الاقتصاد العالمي، حيث جعلت العولمة صهر الاقتصاديات القومية في اقتصاد واحد مسالة حياة او موت. وكانت توقعات خبراء المؤسسات الدولية (بما فيها البنك الدولي) آنذاك ترجح أن تحقق مصر السبق في مجال التقدم الاقتصادي، نظرا للدعم المالي الهائل الذي تتلقاه من أمريكا ودول أخرى، بالإضافة للريع المتأتي من مداخيل قناة السويس، النفط والغاز الطبيعي والدعم الخليجي بمختلف أنواعه. لكن تقرير التنمية البشرية للعام 2005 يعطي معدل دخل الفرد في ماليزيا حوالي ثلاثة أضعاف ما هو عليه في مصر(موقع: http://hdr.undp.org ). كما حققت ماليزيا قفزات هائلة في مجال التعليم والتطور التقني، مما أهلها لان تصبح بحق نمرا من النمور الآسيوية، في مختلف الصناعات بما فيها صناعات رقائق الكمبيوتر-أشباه المواصلات- ، تزاحم بذلك كوريا الجنوبية وتايوان... فما سبب هذه القفزة الماليزية الاستثنائية؟
نجيب في ما يلي على هذا السؤال بالتركيز على عامل أساسي ألا وهو اخذ الدولة الماليزية -خلافا لمصر ومعظم الدول العربية والإسلامية الأخرى- بأسباب الحداثة.
حصل هذا بفضل العزيمة القوية والارادة السياسية مع الدراية والمعرفة باتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، التي قاد بها مهاتير محمد بلاده على طريق التقدم، بالرغم من حملات التشهير التي تعرض لها من القوى الأصولية الاسلامية المتخلفة التي ما فتئت تتهمه بالكفر، كما أكد هو نفسه ذلك خلال حضوره منتدى دافوس الاقتصادي الدولي منذ سنتين. كما قدم نموذج سنغافورة حافزا قويا للتقدم بهذا الاتجاه، حيث لم يترك مجالا للتردد. لذلك كانت الإصلاحات في ماليزيا حازمة وجادة، خلافا للدول العربية التي جاءت إصلاحاتها متأخرة ومحدودة، نتيجة المعارضة القوية لقوى التخلف الاصولية الاسلامية والمجموعات الاقتصادية الطفيلية المستفيدة من النظام القائم، وافتقار الزعامة السياسية للرؤية الواضحة والشجاعة السياسية اللازمة لاعتماد الإصلاحات الصعبة والضرورية في آن واحد.
عمل مهاتير محمد منذ البداية بجدية لتحرير المرأة - نصف المجتمع شبه المشلول في المجتمعات الإسلامية التقليدية- بإجراء تعديلات متتالية على قانون المرأة و إنشاء لجنة برلمانية خاصة بهذا الموضوع، بالتوازي مع إنشاء "وزارة المرأة و العائلة" . ثم تدعم هذا بإنشاء عديد الجمعيات الأهلية لدعم حقوق المرأة ( للمزيد يمكن الرجوع الى موقع: www.wao.org.my). و حصل هذا فيما ظلت المراة في مصر والدول العربية الاخرى، باستثناء تونس، كما مهملا، محرومة من ادنى حقوقها المدنية والاجتماعية والسياسية، وغير مؤهلة تعليميا للمساهمة الايجابية في الدورة الاقتصادية، كل دورها هو ان تكون ربة منزل.
انعكس الاهتمام بتحرير المراة من رق القرون الخوالي في التجربة الماليزية بقوة على قطاع التعليم، حيث يفوق عدد الإناث الذكور في الجامعات بحوالي 28%، وهي جامعات في مستوى عالمي، و يتوجه 40% من مجموع طلابها لاختصاصات العلوم والرياضيات والهندسة، مقارنة بــ30% بالأردن و 19% بالمغرب. وساعد هذا النجاح المرأة الماليزية على لعب دور فعال ورائد في تشكيل اليد العاملة، حيث تبلغ مشاركتها 62% من إجمالي الذكور مقابل 46% فقط في مصر. و تغطي هذه المشاركة كافة الأنشطة، حيث يشير تقرير التنمية البشرية إلى نسبة نساء تصل 23% ضمن شريحة المشرعين ومديري المؤسسات مقابل 9% فقط في مصر، وإلى استحواذ المرأة الماليزية على 40% من مجمل مناصب التقنيين والمهنيين، مقابل 13% في مصر، مع التأكيد مجددا على الفارق الكبير في النوعية بين البلدين، حيث ان المراة الماليزية تحصل على تعليم ومعرفة تفوق بكثير المتوسط العالمي.
وبالرغم من التشابه الكبير في زيادة السكان ومعدل عدد الأطفال بين البلدين ، إلا أن التقدم الاقتصادي في ماليزيا وفر الظروف الملائمة للمرأة بدءا بخدمات الصحة، حيث تتم كافة عمليات الولادة بإشراف عاملين اخصائيين (بنسبة 97% حسب التقرير المذكور أعلاه)، مقارنة بنسبة 69% فقط في مصر، و ساعد على تخفيض معدل وفيات الأمومة لكل ألف مولود حي إلى 40 في ماليزيا، مقارنة بــ84 في مصر.
بالتوازي مع النهوض بالمرأة، عملت الحكومة الماليزية على إحداث نقلة نوعية على مستوى التعليم، حيث ارتقى ترتيب الدولة في الأولمبياد الدولي للرياضيات من المرتبة 15 عام 1999 إلى المرتبة 10 عام 2003، بينما جاءت مصر في ذيل القائمة، تليها السعودية (النتائج منشورة على موقع: http://timss.bc.edu ).
كما قام القطاع الخاص بالاستثمار بقوة في قطاع الجامعات حيث تصل حصته 60%، مما ساعد مجهود الدولة وحسن من ملاءمة خريجات التعليم العالي لمتطلبات سوق العمل. وعلى هذا الأساس، وفرت ماليزيا فرص العمل لكل أبنائها بالإضافة إلى مليون عامل أجنبي!
كما عملت الدولة على الدفع بقطاع الأبحاث والتنمية الضروري للتجديد التكنولوجي في اقتصاد المعرفة، حيث تنفق سنويا نسبة 0,8 % من الناتج المحلي مقارنة بـ 0.2% في مصر. و شجع هذا الشركات العالمية الرائدة على الاستثمار داخل البلاد. و أصبحت ماليزيا بذلك مصدرا أساسيا للتقنيات المتقدمة التي تبلغ حصتها 54% من مجموع الصادرات، مقارنة بأقل من 4% في الدول العربية الأكثر انفتاحا على الخارج.
اليوم والدول العربية تحاول الإصلاح، من المهم الأخذ بأهم عناصر الحداثة الماليزية -حقوق المرأة والتعليم العصري الموجه لقطاع العلوم والتكنولوجيا- بهدف الخروج في أسرع وقت من كبوتها الناتجة عن فشلها في هذا المجال، خلال العقود الماضية.
هناك تعليق واحد:
شكرا على الموضوع
إرسال تعليق